أورنا بن دور

ترجمت: سهى ثابت حلبي.

"أنا في مركز الروضة. يتزاحم أطفال الروضة عليّ، لدي شيء لأريهم اياه- لا أتذكر ما هو. إنهم يسعون ليكونوا بقربي، أنا القائدة. أَلحَظ بطرف عيني استركا. فتاة جميلة ومشرقة مثل الملاك الطيب. شعرها بني، حريري، مموج، وفمها مغري- رغم أن كيانها كله يوحي بالروحانية. تنظر أستركا إلي بحب وتفهم. لم تهرول نحوي، فهي ليست بحاجة  لشيء مني. بالنسبة لي هي الملكة بلا منازع. لم يلاحظها أي من الأطفال على الإطلاق. الجميع يهرع نحوي.  

أنا أشعر بالخجل. أعلم أنها هي الملكة الحقيقية، إنها ملكة الروح، أنا ملكة المادة. أنا الحاضر – هي الرؤيا، المستقبل، هي الطموح والشوق. استركا لا تسخر ، لا تغار، لا تغضب. تنظر إلي بنظرة محبة واحتواء، وكأنها تقول – "أنا أعرفك من الداخل؛ ما زلت بحاجة إلى تصفيق الجمهور. أنا أقبلك كما أنت".

في تلك اللحظة أدرك – أستركا هي قدري".

***

قبل أن أتناول صلب موضوع جيل  5 سنوات، سوف أصف بعبارات عامة ما يحدث للطفل في هذا العمر.

 داخل الرحم وكذلك في السبعية الأولى من عمره (السنوات السبع الأولى)، يبدأ نمو الإنسان من الأعلى، من الرأس، إلى الأسفل – الجهاز الهضمي والأطراف.

في السنوات الثلاث الأولى، يحدث تطور حسي-عصبي المتعلق بالرأس والحواس. منذ  السنة الرابعة يبدأ الجهاز الأوسط – النظام الإيقاعي- في التطور. بينما في السنة السابعة يتطور الجهاز "السفلي" – الأطراف.

  • السنة الأولى – الانتصاب
  • السنة الثانية – اكتساب اللغة
  • السنة الثالثة – التفكير المستقل (قول انا)
  • السنة الرابعة – نمو الرئتين
  • السنة الخامسة – تطور القلب
  • السنة السادسة – تطور جهاز الهضمي 
  • السنة السابعة – تطور الأطراف

حقيقة مدهشة هي أن النمو البدني للطفل يوازي تطور قدراته المعرفية العاطفية.

الجيل 5 هو جيل تطور القلب. القلب هو مركز نشط، حيث تتواجد به حركة مستمرة بين المركز والمحيط. في سن الخامسة – عندما تتحرر قوى القلب – يظهر أيضًا المبدأ المعرفي العاطفي الخامس، وهو القدرة على التخيل – الخيال. الخيال مصدر للإلهام والكمال. يعطي الطفل معنى للأشياء، وخياله أقوى من الواقع! تصبح العصا سيفًا، ومكنسة ساحرة، وما إلى ذلك … يصنع الطفل عوالم من تجربته الإبداعية الداخلية. إنها تجربة خلق قوية.

من سن الخامسة، يصبح الطفل أيضًا أكثر وعيًا بجسده، وحقيقة "أنا جسدي"؛ حتى هذا العمر، ليس لدى الطفل وعي خاص بجسده. إنه كان ببساطة يعيش داخل جسده بشكل طبيعي ومتناغم.

إلى جانب تطور الخيال وصحوة الوعي الجسدي، تظهر أيضًا مخاوف جديدة لدى الطفل: مخاوف من الساحرات، الوحوش ومخلوقات خيالية أخرى، وعلى رأسها الفضول والخوف من الموت.

 

أهم ما يميز جيل الخامسة في أنه يطوي داخله الصورة الكاملة للحياة:

  • الماضي (الحياة السابقة)
  • الحاضر (الحياة الحالية)
  • المستقبل (بذرة الحياة القادمة)

إن فهم ماهيّة سن الخامسة يحول التسلسل الزمني للحياة إلى صورة بانورامية شاملة في الحيز، حيث يمكن رؤية كارما الماضي وكذلك كارما المستقبل.

نلتقي في هذا العمر بإرادتنا القادمة من الماضي من ناحية، وبتوقنا الآتي من المستقبل من الناحية الأخرى.

"كل ما هو حي بالإرادة لا يتجلى كاملاً في الحياة بين الولادة والموت. عندما يتخذ الانسان قرارًا بالإرادة ، يبقى دائمًا شيئًا أكثر في داخله لا يؤتي ثماره في الحياة حتى ما قبل الموت. تبقى بقية، التي تستمر في العيش داخل الإنسان وتمتد من كل قرار – إرادة ومن كل فعل – رغبة إلى ما بعد الموت. يجب الانتباه لهذه البقية طوال الحياة ، وخاصة أثناء الطفولة ".

شتاينر، معرفة الإنسان، 2006، ص 46

الفرق بين الإرادة  والتوق هو أن الإرادة ظاهرة والتوق مستتر. التوق هو رغبة كياننا الدفينة  الآتية من الماضي – التوق  والشوق للتغيير والتطور. في كثير من الأحيان يوجد تناقض وتنافر بين الإرادة الواضحة والتوق (بألالمانية: wunch). في حين أن الإرادة ترتبط عادةً بالتقدم في الحياة المادية الأرضية، فإن التوق دائمًا ما يكون شوق روحاني.

"من يتأمل الإنسان بشكل عام فيما يتعلق بطبيعة إرادته، سيقول لنفسه: إذا كنت أعرف ما هي دوافع الشخص، فأنا أعرفه – ولكن ليس تمامًا. لأنه عندما ينمي الانسان دافعًا،  يتردد صدى عامل معين  وهذا الصدى الصامت يجب أن نوليه الكثير من الاهتمام [. ..] هذا هو التوق. لا أقصد التطلعات الواضحة التي تنبثق منها المشاعر فيما بعد، بل أقصد ذلك الصدى الصامت للأماني الذي يرافق كل دوافعنا. إنه موجود دائمًا. نشعر بهذه الأماني (التوق) بشكل خاص عندما نقوم بعمل ما نابع من دافع في إرادتنا، وفي نهاية الأمر نفكر فيه ونقول لأنفسنا: ما فعلته هنا، كان بإمكانك القيام به بشكل أفضل ".

شتاينر، المعرفة البشرية، 2006، ص 50-51

يصف المثال فتاة تبلغ من العمر 5 سنوات التقت مع ما  تاقت اليه على هيئة فتاة أخرى – "أستراكا". آسرة القلوب،  الفتاة الجذابة من الماضي، المفضلة لدى أطفال الروضة التقت ومستقبلها. خلال حياتها سوف تتجه نحو أستركا بطرق متعرجة غريبة ومختلفة. سوف تبحث عن أستركا (شخصيتها السامية) في العالم، في والدتها، في زوجها، في التعاليم الروحية – كل هذا من أجل العثور على استركا داخل نفسها.

من الممكن العمل على حدث من عمر 5 سنوات واستخدامه لتحديد الماضي والمستقبل. بدايةً، يظهر نمط من السلوك أو  الإيماءات النفسيَة التي تعكس ماضي الشخص من حياة سابقة؛ بعد ذلك، يظهر كذلك التوق.

يتطلب التوق دائما التضحية بالقديم. في المثال، يتضمن التوق في "أن تصبح استركا " تغيير الإيماءة الأساسية آسرة القلوب،  الجدابة، "الملكة" الأرضية.

لكل سن حتى سن 21، هناك عمران مرتبطان به في رابط انعكاس[1]. عمر الإنعكاس لعمر  5 سنوات هو عمر 37 وعمر  58.

في سن 37 أو نحو ذلك، سيحدث حدث مشابه بشكل أساسي لحدث سن 5، حيث يمكننا أن نرى بداية التحرر من الإيماءات النفسيّة المتعلقة بالماضي – التي تجلت في السن 5 – والاقتراب من التوق.

الانعكاس الثاني لعمر 5 هو سن 58. ينتمي هذا العمر إلى السبعيّة الأخيرة التي يندرج تحت القانون الكارمي للسيرة الذاتية (56-63)، تعرف هذه السبعيّة باسم انسان-الروح. يجب أن يبلغ الموضوع  المركزي الذي بزغ في سن الخامسة – التوق الروحي الخفي – اكتماله في هذا العمر. من الآن فصاعدا، على الإنسان الذي مرّ تطور نفسي-روحي أن يعمل على العطاء للعالم وذلك من خلال كيانه المتنامي باستمرار. هذا هو الانتقال من الأخذ إلى العطاء الكلي[2].

 

حدث من سيرة ذاتية (بيوغرافي)

"أتذكر جيدًا ولادة الأخت الرابعة في العائلة. تجلس أمي على كرسي وتحمل الطفلة الجديدة في يدها. لا أحد موجود في الغرفة سواي أنا البالغة من العمر 5 سنوات، أمي و الطفلة. اقتربت من أمي والطفلة بوقار، أتفرس هذه "المعجزة" ولا أجرؤ على الاقتراب أكثر من اللازم أو لمس الطفلة. كان هناك صمت ملحوظ في الغرفة، جو من القداسة، سألت الأم في همس: ما اسم الطفلة؟ قالت الأم بهدوء: "شش، اسمها نعمة".

 

تفسير بيوغرافي

شعرت بنينه بالإثارة أمام السمو، أمام المعجزة. يملؤها جو القداسة على الفور وبشكل طبيعي – تصمت أمام التجربة الروحية والمنزلة المقدسة.

هذا "العجز عن الكلام" أمام السمو ميز بنينه طوال حياتها. هذه صورتها من الماضي. خلال بحث بيوغرافي-كارماتي في سيرتها الذاتية، ظهرت صورة بنينه كخادمة في مكان مقدس، لكنها غير راغبة في الاقتراب من القداسة.

إيماءة "التأمل فقط" رافقت بنينه لسنوات عديدة ومنعتها من دراسة واستكشاف العالم الروحي، على الرغم من شوقها الروحي القوي. خلال حياتها اخذت بنينه على عاتقها القيام بتصحيحات ضرورية. على الرغم من مخاوفها، أخذت على عاتقها تعليم الآخرين موضوعات العلاج البيوغرافي والعلوم الروحانية.

 

حدث بيوغرافي

"كان عمري 5 سنوات ونصف. كان قد مضى على وجودنا في  سيناء مع أعمامي وأبناء عمومتي بضعة أيام أو أسبوع. قال والداي إن هناك حفلة موسيقية كبيرة في نويبع وذهبنا جميعًا إلى هناك. كان هناك الكثير من الناس. غطيت نفسي ببطانية وربما غفوت. أكثر ما أتذكره أن الناس مروا فوقي طوال الوقت وكانوا يدوسون علي قليلاً. شعرت بالزحمة وعدم الراحة. "

  

تفسير بيوغرافي

"في الحدث بسن الخامسة في نويبع، شعرت بكياني الروحي الأعلى المنتمي إلى كارما المستقبل. لقد جعلني الازدحام وحماسة الناس أشعر بالنفور منهم ومن الحدث. لقد انفصلت عن عالم الحواس المفرط من حولي، عن دنيوية الحدث، عن العموم. لقد شعرت بحالة "ال-معاً" المفرطة على أنها حالة من الافتقار إلى "أنا". لدي نفور من هذه الحالة المتمثلة في عدم وجود نفسي.

تمثل تجربة الاختباء تحت البطانية رغبتي في التقليل من نفسي أمام دنيوية الناس – هذه كارما من الماضي. يذكرني هذا بالمهمة التي أعطيت في نهاية عام التدريب الدراسي، وهي وصف حياتي على أنها قصة اسطورة. وصفت نفسي فيها كشخصية تخفي "فستان البتلات الأحمر الرائع (الروحي)" تحت غطاء سترة بسيطة.

أدرك الآن أن الدافع للاختباء يأتي من تماثلي المفرط مع كياني الروحي الأعلى المتطور. ما دمت أتماثل معه – كما لو أنه "لي"، وكأنه يقول شيء عني – فأنا أشعر وكأنها غطرسة أخاف منها وأحاول إخفاءها.

منذ سنوات – وهذه أيضًا كارما المستقبل الخاصة بي لم أعد أتماثل معه. أفهم أن هذا ما أعطتني إياه الآلهة كي أقوم بمهمتي في العالم. لم أعد بحاجة إلى التقليل من ذاتي وإخفاء روحانيتي".

 

[1] انظروا الملحق 1 – جدول الانعكاسات، ص 126.

[2] ولمزيد من التفاصيل راجعوا: "سر السبعيات"  الصادر عن "كحتام".

print