أورنا بن دور
ترجمت: سهى ثابت حلبي.
أشرنا في المقال السابق[1] إلى انفصال الطفل عن إحساسه بالانسجام والوحدة مع العالم. في سن الثانية عشرة، يحدث انقسام آخر، هذه المرة داخل كيان الفتى\ة كشخص كامل.
حتى سن التاسعة تقريبًا، كان وعي الطفل هو وعي الكيان الكلي، على غرار الشخص في العصر الوثني القديم، الذي كان يشعر أنه متحد مع الطبيعة والكون. هذا هو الوعي الذي ميز آدم وحواء قبل الأكل من ثمر شجرة المعرفة.
في سن الثانية عشرة، ينقسم الشخص الكامل إلى شخصين، ذكر وأنثى. جنسه المتجسد يميزه عن نصف البشر في العالم، أي عن أولئك الذين لا ينتمون إلى جنسه.
27 فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. سفر التكوين 1
يوجد انقسام آخر بين "العلوين والسفلين" – من ناحية، يزداد لدى المراهق التطور الجنسي، ومن ناحية أخرى، يكبر تفكيره التحليلي- الذهني المجرد، وهو ما يميز الإنسان في مرحلة البلوغ.
6 وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلاً بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ». 7 فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ. 8 وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا. سفر التكوين 1
يمكن مقارنة تطور الإنسان في هذا العمر بالانتقال من حالة الوثنية إلى بداية تطور الديانات التوحيدية.
تتميز الفترة الوثنية بعلاقة غير وسيطة بين الإنسان والعالم الروحي. يشعر الإنسان بالروح الموجودة في الطبيعة الكامنة في كل شيء يتعامل معه. مع بداية ظهور الديانات الحديثة، اختفى الارتباط المباشر والمتناغم بين الإنسان وعالم الروح؛ وظهر مكانه الإيمان. الإيمان مطلوب فقط بعد المرحلة التي حدث فيها الانقسام بالفعل، عندما توقف الإنسان عن الشعور بأنه جزء لا يتجزأ من العوالم الروحية.
مع مرحلة الانفصال عن الشعور بالوحدة مع الروح والتحول إلى كيان أرضي، تبدأ رحلة بناء الذات المنفصلة عن الكلي. يتم استبدال الاتصال المباشر بالقوى الروحية بالإيمان بإله مجرد، ويتم استبدال الشعور بالانسجام مع العالم برحلة للبحث عن الذات.
تتطلب عملية العثور على الهوية الذاتية أولاً نبذ كلّ ما هو "ليس ذاتي". من أجل إثبات هويتهم الذاتية، يتعين على الأولاد والبنات رفض الهوية التي حملوها معهم حتى هذه السن والتي أعطيت لهم كجزء من كونهم "عضوًا" في الأسرة والمجتمع. الآن أصبح سؤال الهوية سؤالًا حاسمًا، والطريقة التي ستتبلور بها سيشكل كيفية سلوك الانسان في العالم وتفاعله معه.
على نطاق أوسع بكثير لمعنى سن 12، ترمز أحداث مهمة حدثت في هذا العمر في كيانين روحيين تم تعظيمهم في الإنسانية: بوذا ويسوع المسيح. في سن الثانية عشرة ، "يتوه" كلاهما ويجدهما حكماء جيلهم. بعد العثور عليهم، يبدو أنه قد حدث لديهم تغيير. الحدث الذي مروا به تسبب في خلق تغيير بشخصيتهم. هكذا حتى يصبحان تدريجياً معلمين، حكماء جيلهم.
"يُنسب إلى بوذا حقيقة أنه ضاع في سن الثانية عشرة، وعُثر عليه مرة أخرى تحت شجرة ، محاطًا بالمغنين المتجولين وحكماء من العصور القديمة كان قد قام بتعليمهم. وبناءً عليه، يمكن العثور على الوصف التالي في الإنجيل بحسب لوقا الفصل 2:
42 وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ. 43 وَبَعْدَمَا أَكْمَلُوا الأَيَّامَ بَقِيَ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا الصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا. 44 وَإِذْ ظَنَّاهُ بَيْنَ الرُّفْقَةِ، ذَهَبَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَكَانَا يَطْلُبَانِهِ بَيْنَ الأَقْرِبَاءِ وَالْمَعَارِفِ. 45 وَلَمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ. 46 وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. 47 وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. 48 فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» 49 فَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟». 50 فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا. 51 ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا. 52 وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ."
شتاينر ، المسيحية كحقيقة باطنية ، 1908 ، محاضرة 4
يصف عالم النفس السويسري الشهير كارل غوستاف يونغ في كتاب سيرته الذاتية "ذكريات، أحلام، خواطر" انقسامًا فعليًا داخل نفسه، انقسامًا حدث في سن الثانية عشرة.
يصف يونغ ظهور شخصيتين بداخله: الشخصية رقم 1 والشخصية رقم 2. الشخصية رقم 1 هي شخصية تلميذ، بينما الشخصية رقم 2 هي شخصية رجل عجوز حكيم.
"عندما كان في الثانية عشرة من عمره، خطرت له فكرة أنه حتى هو نفسه لديه شخصيتان. الأولى، طالب مدرسة غير واثق بنفسه، منعزل ويشعر بعدم الراحة إلى حد ما في العالم، والآخر، شيخ ذو جاه ومحترم لدى الجميع، رجل واثق جدا بنفسه ولديه قدرة وتأثير عظيمين.
ستور، يونغ، 1998 ، ص 15
حادثة معينة حدثت لـيونغ في سن الثانية عشرة أوضحت له ضرورة أن يكون مخلصًا للشخصية الأولى، شخصية طالب المدرسة وتحمل المسؤولية عنها، حتى لا يفقد ثباته على الأرض وعلى الحياة الارضية.
"كان العام الثاني عشر من حياتي عامًا مصيريًا بالنسبة لي. ذات يوم في بداية الصيف كنت أقف في ساحة الكاتدرائية، منتظرًا زميلي الذي كان يسير إلى منزله بنفس الطريق التي أسلكها. كانت الساعة الثانية عشرة عند انتهاء اليوم الدراسي. فجأة ضربني صبي بقوة على ظهري وتعثرت. ارتطم رأسي بالرصيف بشدة لدرجة أنني كدت أن أفقد الوعي. أغشى عليّ لمدة نصف ساعة تقريبًا. لحظة شعوري بالضربة، خطرت في ذهني فكرة: "لن تضطر إلى الذهاب إلى المدرسة بعد الآن." كنت واعيًا جزئيًا، لكن رغم ذلك بقيت مستلقٍ لفترة أطول من اللازم، خاصة كي انتقم من الصبي الذي هاجمني. ساعدني الناس على الوقوف على قدمي وأخذوني إلى منزل قريب حيث تعيش عمّتان غير متزوجين. ومنذ ذلك الحين، اغمى علي في كل مرة اضطررت فيها إلى العودة إلى المدرسة وفي الحالات التي أجبرني فيها والداي على القيام بواجباتي المدرسية. بقيت خارج المدرسة لأكثر من ستة أشهر وبالنسبة لي كانت نزهة ".
جونغ ، ذكريات، أحلام، أفكار، ص 41
يصف يونغ لاحقًا كيف قضى هذا الوقت في الرحلات والتخيل والرسم وابتكار عالمه الخاص حيث كانت توجد قلاع ومعارك قديمة. لقد كان ذلك عالمًا كاملاً من الغموض والخيال.
ذات يوم، سمع يونغ والده القس يخبر الطبيب أنه فقد الأمل في ابنه، وأن الصبي لن يكون قادرًا على كسب لقمة العيش في المستقبل. صدمت هذه الكلمات الشاب يونغ، وألقت به في الحال على أرض الواقع. بعد ذلك مباشرة أصبح ولدًا جادًا، تغلب على نوبات إغماءه ودرس بشغف.
يقول يونغ إنه كان يخجل من نفسه بسبب ما أسماه "عصاب" خاص به، وفي تلك الأيام برزت فيه براعم الضمير (التي تميز الولادة الوشيكة للجسم النفسي). أصبح جونغ بعد التعافي طالبًا مسؤولًا ومواظبًا.
يشير التحليل البيوغرافي للحدث إلى المسؤولية التي تحملها يونغ أخيرًا عن كيانه الأرضي الفردي، مسؤولية تلميذ المدرسة (التي أطلق عليها اسم الشخصية رقم 1). وفقًا له، بينما كان في إجازة من المدرسة ومنغمسًا في عوالمه الروحية الخيالية والإبداعية، كان لديه معرفة غامضة بأنه كان يهرب من نفسه وقد هزته تصريحات والده وأعادته إلى الواقع الأرضي.
إن موافقة يونغ على التخلي عن "الرجل العجوز الحكيم" (الشخصية رقم 2) – التي لا تنتمي إلى هذا الجيل انما إلى تطور روحي لاحق – سمحت له بالتجسّد بالطريقة الصحيحة في هذه المرحلة من حياته، وبالتالي مكنته من بناء أدوات معرفية وعاطفية لمرحلة لاحقة من حياته – المرحلة الروحية.
"أدركت أنني جلبت هذا الحادث المخزي على نفسي. لهذا السبب، لم أكن غاضبًا بشدة من زميلي في الفصل الذي دفعني. كنت أعرف أنه يمكن القول إنه كان منقاد للقيام بذلك، وأن الأمر برمته كانت خطة شيطانية انبثقت مني. وعلمت أيضًا أن هذا لن يحدث مرة أخرى ".
يونغ ، "ذكريات، أحلام، خواطر"، ص .43
حدث آخر حدث لـيونغ في هذا العمر يقوي فهمه لهذا الجيل
"في تلك الفترة، كانت لي تجربة مهمة أخرى. كنت أسير على الطريق الطويل المؤدي إلى مدرسة ماكلين، هونينجن – المكان الذي عشنا فيه، إلى بازل، عندما فجأة، لجزء من الثانية، كنت محاطًا بشعور كأنني قد خرجت للتو من سحابة كثيفة وثقيلة. في لحظة عرفت: الآن أنا ما أنا عليه! كان الأمر كما لو أن جدارًا من الضباب كان خلفي وخلف الجدار لم يعد هناك "أنا". في طرفة العين نفسها عدت والتقيت بنفسي. حتى قبل ذلك كنت موجودًا ولكن في الواقع تم تفعيلي، كانت الأشياء تحدث لي. الآن كنت أنا بذاتي. الآن عرفت أنني موجود. قبل ذلك تم حثي لفعل هذا الشيء او ذاك .. الآن هذه إرادتي .. بدت لي هذه التجربة جديدة ومهمة بشكل لا يضاهى .. كان لدي "سلطة" بداخلي.
يونغ ، "ذكريات، أحلام، خواطر"، ص .43
احداث بيوغرافية
فيما يلي أمثلة إضافية لأحداث من سن 12 عامًا، والتي شكلت التعريف الذاتي للأشخاص وسلوكهم في مواجهة أحداث مماثلة في وقت لاحق من حياتهم، على الأقل حتى منتصف العمر.
"عندما كنت في الثانية عشرة من عمري،" تمت مقاطعي" في الصف لسبب غبي لا أتذكره. كانت هذه أول مقاطعة لي، لكنها بالتأكيد لم تكن الأخيرة. في هذا الحدث، شعرت بأنني مختلفًة. عانيت مرات عديدة منذ ذلك الحين من الشعور بكوني مختلفة وحتى منبوذة من قبل مجموعة. لقد اختبرت أيضًا قوة الجمهور الذي يرفض الفرد المختلف. لقد تجلى هذا الاختلاف لاحقًا في حقيقة أنني أصبحت قائدة مجموعات. على أي حال، بطريقة أو بأخرى – لم أكن أبدًا جزءًا منتظمًا من مجموعة ".
***
في سن الثانية عشرة احتفلت ببلوغي "بات ميتزفا". أبلغتني أمي بابتهاج أنه لا يمكنني ارتداء البدلة الحمراء بدون حمالة صدر. قضية ارتداء حمالة الصدر هذه كانت مشكلة بالنسبة لي. احتجاجاتي لم تُجدِ نفعًا، في النهاية وافقت. وهكذا مشيت أنا وأمي وجدتي الحبيبة إلى متجر حمالات الصدر. لقد غادرنا جميعًا مع حمالة الصدر في كيس: امرأتان إسبانيتان نشيطتان وعازمتان أتمتا العملية المهمة، وأنا، كان واضحًا لي أن الكلمة الأخيرة لم تُقَل بعد من جانبي وأن لكل حدثٍ أوانه – سوف أهتم بالموضوع لاحقا. في يوم الحدث، ظهرت بالبدلة وحمالة الصدر المشهورة تحتها. خلال الحدث الأحتفال، انسحبت إلى غرفتي، ومزقت حزام الكتف عند التماس في مكان الخياطة، وأزلت حمالة الصدر بسعادة وأبلغت والدتي أن حمالة الصدر ممزقة، وبالتالي اضطررت إلى نزعها.
تحليل بيوغرافي
شعرت يعلا بأنها مجبرة على فعل شيء لا تريده، وأنه ليس لديها خيار سوى الاستسلام. وعلى الرغم من ذلك، "لم تقل الكلمة الأخيرة بعد". يعلا تثق بسعة حيلتها والتي ستسمح لها بالتملص من الإكراه. بقي نمط الشخصية هذا معها لوقت لاحق، وانعكس في ثقتها الهادئة بأنها ستدير الأمور كما تشاء، بصبر ودون الاضطرار إلى المواجهة المباشرة.
عمر 12 بالدين اليهودي
في الدين اليهودي، هناك إشارة خاصة إلى سن 12، والطريقة التي من المفترض أن يدخل فيها الفتى والفتاة إلى عالم البالغين، الذين يحققون من خلاله كيانهم الأرضي كبشر ناضجين على الأرض. عند بلوغ هذا العمر، تقام احتفالات للفتى والفتاة تشير إلى دخولهم إلى عالم الكبار.
يقال في المشناه: "ابن الثلاثة عشر سنة للوصايا". يعتبر الفتى الذي يبلغ سن ميتزفا بالغًا في اليهودية، تنطبق عليه جميع وصايا البالغين. يتم الاحتفال بالحدث في طقوس خاصة يتعلم فيه الفتى الواجبات الملقاة عليه منذ ذلك الوقت، وفي نهاية الحفل يقول الأب الجملة: "تبارك من عفاني من عذاب هذا"، والتي يعني – من الآن فصاعدًا أنت نفسك مسؤول عن أفعالك.
يقال عن الفتيات في التلمود: "ابنة اثنا عشرة عامًا ويومًا واحدًا تتعهد بوفاء نذورها"، أي – من الآن فصاعدًا تكون الفتاة مسؤولة عن أفعالها ويجب أن تتبع الوصايا المفروضة على المرأة الناضجة.
سن 12 هو استمرار إرساء ركائز الكينونة الأرضية للإنسان (شخصيته) والتي تبدأ في التبلور بدأ من سن 9. سن 9 و 12 هما عُمران أساسيان في حياة الإنسان يتركان بصمتهما على بقية الحياة.
[1] العمر 9- الطرد من الجنة وتجربة العزلة