أورنا بن دور

ترجمت: سهى ثابت حلبي.

يُعرف العمر 9 أيضًا باسم "ولادة الوعي الذاتي". حتى هذا العمر أو نحو ذلك، يشعر الطفل بأنه متحد مع العالم. ينعكس هذا في الطريقة الطبيعية التي يشارك بها والديه في حياته، دون محاولة اخفاء ودون إحداث مساحة داخلية سرية وشخصية. سوف تتشكل مساحة شخصية مع الاقتراب من سن البلوغ.

وهو السن الذي يولد فيه الشعور بالخجل لدى الطفل، والذي ينبع من إحساسه بالانفصال عن العالم وعن الانسجام الذي اتسمت به علاقته بالعالم حتى ذلك الوقت.

يعكس العمر 9 قصة الخروج من الجنة، بعد أن أكل الإنسان ثمرة شجرة المعرفة.

6 فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. 7 فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. التكوين 3

كان الإنسان جزءًا لا يتجزأ من الجنة حتى أكل من ثمر شجرة المعرفة. اسكن الله الإنسان في الجنة "للخدمة والمحافظة" "للعناية بها وللمحافظة عليها"، أي – ليكون جزءًا من الخليقة العامة والحيوانات والأشجار والطبيعة. بعد أن أكل من ثمر شجرة المعرفة، انفتحت عينا آدم، وشعر بانفصاله واختلافه عن الخالق والخلق، ونتيجة لذلك شعر بالخجل والوحدة لأول مرة.

لماذا كان على الإنسان أن ينفصل عن الكل الشمولي؟ لماذا لا يسمح له بالبقاء في تجربة الوحدة «الجنة»؟

إن تجربة الشعور بالوحدة والانفصال ضرورية لتنمية الوعي بالذات. في سن التاسعة، إلى جانب الشعور بالوحدة، الخجل والانفصال، يشعر الطفل نفسه لأول مرة كحاضر،  كصاحب السيادة، ك-"الأنا".

يُعرف عمر 9 أعوام أيضًا باسم: جيل "عبور الروبيكون"[1]، على غرار يوليوس قيصر، يتخطى الطفل البالغ من العمر 9 سنوات أيضًا عتبة، "غزو قارة جديدة" حيث يكون هو صاحب السيادة. هذه نقطة لا عودة منها.

"أثناء نموه كطفل، تأتي لحظة في حياة الإنسان يشعر فيها لأول مرة بأنه كائن مستقل منفصل عن بقية العالم. بالنسبة لأولئك الذين يتميزون بشخصية حساسة، تعد هذه اللحظة تجربة مهمة للغاية. يقول الشاعر جان بول، الذي عاش في الأعوام 1763-1825، في سيرته الذاتية: "لن أنسى أبدًا الحدث الذي حصل لي والذي لم أخبر أحداً به حتى الآن، حيث أتذكر المكان والزمان – عندما كنت حاضرًا عند ولادة وعيي الذاتي. ذات صباح، عندما كنت طفلاً صغيراً، كنت أقف عند باب المنزل أنظر إلى كومة من الحطب على يساري. عندما فجأة ، الرؤية الذاتية الداخلية – ها أنا ذا! أتت إلي مثل ضوء صاعقة في السماء وما زالت تشرق في داخلي منذ ذلك الحين. في هذه اللحظة رأت ذاتي نفسها لأول مرة وإلى الأبد! لا يمكن أن يكون ذلك خداع من قبل الذاكرة، لأنه لم يكن هناك احتمال أن قصة شخص آخر قد تشوه الحدث الذي حدث فقط في سر قدس الأقداس للإنسان أو تتدخل فيه. حدث محفور بعمق في ذاكرتي بسبب طبيعته الخاصة والجديدة ". 

شتاينر ، "الجسد والروح والروح" ، 2006 ، ص 31

في سن التاسعة، نواجه الشعور بالوحدة من خلال حدث معين يحدث في حياتنا. الأحداث مختلفة، لكن الجوهر متشابه – الشعور بالوحدة، والشعور بعدم الأمان الوجودي، والرغبة القوية في تجنب الألم المرتبط بالحدث.

في البحث في السيرة الذاتية، نستدعي الحدث من أعماق متاهات الذاكرة ونرفعه إلى مستوى الوعي. في الوقت نفسه، نكشف عن تجربة الشعور بالوحدة وانعدام الأمن الوجودي التي صاحبت الحدث، أو حدثت بسببه.

تختلف أسباب الشعور بالوحدة وترتبط بالكارما الخاصة لكل شخص. يشعر المرء بالوحدة والخوف الوجودي نتيجة مرض هاجمه في ذلك العمر، وآخر نتيجة مقاطعة قام بها أطفال آخرون اتجاهه، والثالث لأنه اكتشف  أسرار بعائلته، وهكذا. 

الحدث البيوغرافي  ليس بالضرورة حدثًا كبيرًا أو صادمًا. حتى حدث صغير نسبيًا يمكن أن يمنح الطفل تجربة الشعور بالوحدة. إن تجربة الشعور بالوحدة هي تجربة مهددة لأي شخص، وخاصة بالنسبة للطفل الذي لم يدعّم ركائز شخصيته بعد؛ لهذا السبب سوف يجتهد لتفادي هذه التجربة بأي ثمن.

الطريقة التي سيبتعد بها الطفل عن الشعور ستكون بالتخلي عن فعل، سلوك، سمات شخصية وما إلى ذلك، ما سمح لهذا الشعور بالظهور؛ سيكون ثمن ذلك التخلي عن الأصالة وعن نطاق كامل من المشاعر والسلوكيات.

على سبيل المثال، فإن تجربة الشعور بالوحدة التي نشأت نتيجة للتميّز الكبير في الصف ستترك اثرًا في روح الطفل كعلامة تحذير: من الخطورة جدًا أن تتمييز! لاحقًا في حياته قد يتخلى عن كونه بارزًا ومتميزًا، حتى عندما يستحق ذلك.

قرار الطفل اللاواعي بالتخلي عن جزء من كيانه الكامل هو قرار للبقاء، وبالتالي فهو دائمًا صحيح!

حتى منتصف العمر، نحن مطالبون بتجنب أكبر قدر ممكن من المواقف التي تهدد أمننا النفسي والوجودي. من أجل أن نصبح "مواطنين على الأرض"، من المفترض أن ننمو بأمان داخل المجتمع، الجماعة، الأسرة، المؤسسات التعليمية، وما إلى ذلك، والتي تعدّنا لحياة الكبار وتساعدنا على تحقيق ذاتنا في الدراسة، العمل، العلاقات، الأسرة والمجتمع.

بدءًا من منتصف العمر (33)، من المفترض أن نفحص بشكلٍ واعٍ القرار الذي تم اتخاذه في سن 9 ونغيره وفقًا للتغيير في وجهة الحياة. في منتصف الحياة ننتقل من حالة نتجسّد فيها تدريجيًا في العالم بأمان، إلى حالة نسعى فيها إلى التماهي مع كياننا الروحي من خلال التحقيق الذاتي الفردي، والسعي لزيادة الحرية التي تمكننا من ابداع جديد. 

العودة لكيان أكثر اكتمالا، وتوسيع نطاق المشاعر "المسموح بها"، يتطلب التخلي عن القرار الذي اتخذ في سن التاسعة، عن الأمان الذي منحنا إياه خلال الحياة.

هذا التغيير، مثل أي تطور روحي، ينطوي على التضحية والتخلي عن القديم، والسير نحو الجديد والمجهول. هذا هو الانتقال من الكارما الماضية إلى الكارما المستقبلية، من العبودية إلى الحرية. 

 

حدث بيوغرافي

"نشأت في كيبوتس بإطار النوم المشترك. كان والداي شخصين محوريين جدًا في الكيبوتس، وخاصة والدي الذي شغل مناصب رئيسية لسنوات عديدة. عندما كنت في السادسة من عمري، سافرت عائلتنا في مهمة إلى الولايات المتحدة باسم حركة الكيبوتس، كانت تلك سنوات جيدة عشنا في كنف العائلة المصغرة.

عندما كنت في التاسعة من عمري، عدنا إلى البلاد. كنت أتطلع للعودة إلى الكيبوتس. ظننت أنني سأعود إلى البيت، إلى مكان يوجد فيه عناية وأمان. عندما عدنا كان علي أن أتكيف بسرعة مع الإقامة المشتركة والحياة الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، بعد فترة وجيزة من عودتنا، أجريت انتخابات للكنيست في إسرائيل، وقرر والدي الانضمام إلى قائمة تتعارض مع الموقف الرسمي للكيبوتس. منذ تلك اللحظة ، "كشف الكيبوتس عن وجهه الحقيقي". تعرض والدي شخصيًا للهجوم والافتراء، تلقى رسائل كراهية حتى من أولئك الذين كان من المفترض أن يكونوا أصدقاء له. حتى أن هذا امتد إلى مجموعة الأولاد، وكان علي، بصفتي ابنته ، أن أتحمل التجديف والإهانات من الأولاد، والبالغين على حد سواء.

هذا الحدث وغيره من الأحداث التي أعقبت هذه السنوات، جعلتني أشعر أنه لا يوجد أحد يُعتَمد عليه. الكبار الذين وثقت بهم في الاهتمام والعناية بي، غير قادرين على توفير هذا الأمان لي؛ بدأت انظر الى أبي وأمي، اللذان كانا من قبل مصدر أمان لي، على أنهما ضعيفان، والى البالغين الآخرين على أنهم غير جديرين بالثقة وخائنين. استنتاجي من الحدث الذي مررت به هو أنه لا يوجد عناية إلهية، ولا يوجد أحد تثق به، ويجب أن أعتمد على نفسي فقط. توقفت عن تلقي المساعدة من الكبار. لقد عزلت نفسي وانفصلت عنهم وبدأت أعتمد على نفسي فقط، وبمعنى أعمق، توقفت الاتكال على الله (بالنسبة لطفل في هذا العمر، الأم والأب هم بمثابة الله). لقد تخليت عن الإيمان بأنني محمية ومُصانة، "أن الله يحميني"، لأنه هو (الايمان) الذي جعلني أعرف معنى الوحدة.

 

تفسير بيوغرافي

في سن التاسعة، تخلت دافنا عن علاقتها بعالم البالغين والعالم الروحي الذي يحرس العالم ويقوده بحكمة – كمصدر للحماية. من أجل عدم الشعور بالقلق الوجودي، بدأت في الاعتماد على نفسها كمصدر وحيد للأمن. اعتمادها على نفسها على مر السنين أدى إلى حمايتها من الخوف الوجودي الذي تعرضت له في سن التاسعة، لكنه حرمها أيضًا من إمكانية الإيمان بقوة أكبر منها، قوة روحية جيدة، قوية وخيّرة. وهكذا حُرمت من القدرة على الاتكال والراحة، واتسمت حياتها البالغة بالقلق وبالتوتر المستمرين.

قدَّم سن 33 لدفنا (وهو انعكاس لسن 9) إمكانية تصحيح وتغيير القرار الأصلي.

"في سن 33، عندما كان ابني يبلغ من العمر عامًا وبضعة أشهر، بتنا في ضيافة أصدقاء لنا. بدافع الغفلة، وضعنا الطفل لينام على فراش فوقه رف ضخم محمل بالكتب الثقيلة. بالبداية، كان كل شيء على ما يرام، عندما فجأة، في الساعة 11:00 ليلا، بدأ في البكاء بمرارة دون توقف، ولم يستجب لمحاولاتنا لتهدئته أيضًا، حتى اضطررت أخيرًا إلى القيام بنقله إلى سريري. بعد بضع دقائق، انهار الرف، وسقطت جميع الكتب الثقيلة منه على الفراش حيث وضعنا الطفل في بداية الليل محدثة ضوضاء عالية ومخيفة. أريد أن أشير إلى أن الطفل هدأ لحظة ما نقلناه إلى فراشنا.

كان الشعور الذي راودني ذهولا ورعبًا، ولكن أيضًا رهبة وانشداه. كيف عرف ابني الصغير أنه يجب أن يترك الفراش؟ لماذا "أصر" على هذا؟ شعرت أن هناك من يحرسه، واياي أنا أيضًا، والدته. عاد إلي الشعور بأن هناك نظامًا وعناية إلهية في العالم. هذا الإيمان ، الذي وُلد في ذلك الوقت كبذرة، تعمق في السنوات التالية، عندما دخلت تدريجياً أكثر فأكثر في مسار التطور الروحي الأنثروبوسوفي. على مر السنين والأحداث، في كل مرة كنت أجد نفسي أواجه تحديات في الحياة، كنت أعود دائمًا في ذاكرتي إلى هذا الحدث، وإلى أحداث أخرى تلت ذلك، فأصبح أقوى. شعرت وما زلت أشعر – أن هناك من يحرسنا".

 

[1] في 10 يناير ، 49 قبل الميلاد ، عبر يوليوس قيصر نهر روبيكون مع جيشه في طريقه إلى مدينة روما. وكان عبور نهر روبيكون إعلانًا عن نيته عدم احترام قرار مجلس الشيوخ الذي عزله من مهامه ، و الخطوة الافتتاحية في حرب أهلية هزم فيها الجنرال الروماني بومبي وسيطر على روما. يبقى نهر روبيكون في الوعي الغربي في عبارة "عبور روبيكون" ، مما يعني القيام بعمل لا يوجد منه تراجع. هناك تعبير آخر مأخوذ عن نفس الحدث وهو قول قيصر: "الأمر قد وقع".

 

print